موضوع: العرب في الأندلسُ... الأحد يوليو 04, 2010 11:15 am
العرب في الأندلس
تقع شبه الجزيرة الأيبيرية، بلاد الأندلس في منطقة معتدلة المناخ من نصف الكرة الشمالي، وهي تقع بين بحرين وتتوسط قارتين، وقد جعلها موقعها الجغرافي الهام ملتقى الشعوب القديمة على مر العصور، وكانت المنطقة التي يطلق عليها اسم "الأندلس" تتقلص وتنبسط تبعاً لتقلص نفوذ العرب وانبساطه .. وتضم الأندلس اليوم ثماني مقاطعات جنوبية هي : قرطبة، أشبيلية، غرناطة، ولبا، قادس، جيان، مالقة وألمرية .. أما سبب التسمية فليس واضحاً الوضوح كله، والراجح أنه تحريف للفظة "فندلس" وهو اسم لقبيلة "الفندال" الجرمانية .. وقد غزا هذا الشعب أوروبا الغربية في القرن الخامس للميلاد، فنهب روما واستقر فترة جنوبي أسبانيا، ثم انتقل القسم الأكبر منه إلى أفريقيا .. وفي العصور القديمة سكنت بلاد الأندلس جماعات من الصيادين تركوا من الآثار رسوماً بدائية ذات قيمة تاريخية كبيرة في بعض المغارات .. ثم شهدت شبه الجزيرة الايبيرية قافلة التاريخ تمر بأرضها، فغزتها أقوام من "السلتتيين" والفينيقيين والاغريق، ساهمت كل منها في بناء الحضارة الانسانية. وفي العصر الروماني صارت إقليماً من أقاليم الامبراطورية، وبعد سقوط روما تحولت إلى مملكة حكمها "القوط" نحواً من ثلاثمائة سنة .. أما العرب فدخلوا شبه الجزيرة الأيبيرية في مطلع القرن الثامن ميلادي.
الأندلس قبيل الفتح : في مطلع القرن الخامس للميلاد اجتاح القوط الغربيون أسبانيا، وأنشأوا دولة قوطية عاصمتها "طليطلة" وكانت أسبانيا تدين بالكثلكة، بينما كانت ديانة القوط الآريوسية ، الكثلثة، مما ساعد رجال الدين على بسط نفوذهم وقد دبت الفوضى في عهد الملكين "أرفيجيو" و "أخيكا". استكشاف الأندلس : كانت حملة المسلمين على شبه الجزيرة الأيبيرية مدخل أوروبا الجنوبي ولهذه الحملة من حيث السرعة التي تمت فيها والنجاح الباهر الذي لاقته مكانة فريدة في تاريخ الحروب في العصور الوسطى وأول اتصال بعامل الأندلس كان سنة 710 م، فقد صير موسى بن نصير عامل بني أمية الشهير على أفريقيا مولى له يدعى طريفاً في أربعمائة رجل ومائة فارس من البربر لاستكشاف البلاد، فجاز طريف المضيق ونزل مكاناً عرف فيما بعد باسم جزيرة طريف (تريفا اليوم). نزول طارق : وكان موسى، بعد اخضاعه شمال أفريقيا ووصوله إلى الأطلسي، يتطلع إلى القارة الأوروبية، والذي شجعه نجاح طريف والنزاع بين رجال الحكم في مملكة القوط الاسبانية وحسنت في عينه الغنائم فأرسل سنة 711م مولى له بربرياً هو طارق بن زياد في سبعة آلاف رجل معظمهم من البربر ونزل بهم طارق قرب جبل الفتح الذي عرف به منذ ذلك العهد فخلد اسمه، أي جبل طارق وتذهب الأخبار إلى أن المسلمين جاوزوا المضيق الذي لا يصل عرضه إلى عشرين كيلومتراً إلى الأندلس في مراكب قدمها لهم يليان أمير "سبته" الرومي. وكان يليان غاضباً من لذريق (رودريك) ملك القوط بسبب تغطرسه ومراودته الاميرات عن أنفسهن ومنهن ابنة يليان "فلورندا". معركة وادي بكه : وعندما وصل خبر نزول طارق إلى ملك القوط لذريق جهز جيشاً ضخماً لرد الغزاة وأسرع للقاء طارق وبعد مناوشات قصيرة دارت في وادي بكه معركة ضاري كادت فيها الكثرة القوطية أن تقضي على القلة الاسلامية لو لم تدب الحمية في نفوس جند طارق بعدما ألهب صدورهم بخطابه المشهور والذي جاء فيه: "البحر من ورائكم والعدو أمامكم فأين المفر.." فانتقل النصر إلى جانب المسلمين ودارت الدوائر على القوط وتشتت شملهم أما لذريق الذي أجمعت الأخبار الاسبانية والعربية على اختفائه فلا ندري كيف انتهى أمره، وقد وجدت فيما بعد مركبته الحربية على ضفة نهر "الوادي الكبير". التوغل في البلاد : بعد هذا النصر الحاسم توغل المسلمون في شبه الجزيرة الأيبيرية، أو بلاد الأندلس كما عرفت، وكاد يكون زحف الجيش في البلاد أشبه بالنزهة وزحف طارق بمجموعة إلى طليطلة عاصمة الأسبان واحتل فريق آخر مدينة "البيره" وهي قرب الموضع الذي تقوم فيه غرناطة اليوم وسير طارق مغيثاً الرومي في سبعمائة فارس على مدينة قرطبة فحاصرها، وصمدت هذه المدينة التي أصبحت فيما بعد عاصمة للمسلمين، وقاومته نحو عشرين، ثم فتحها بعد أن دله فيما يقال راعي غنم هناك على ثغرة في سورها .. وفتحت مالقة بلا مقاومة، وسقطت طلطية أيضاً بمعاونة سكانها اليهود .. فاستطاع طارق بذلك أن يحتل نصف بلاد الأندلس خلال بضعة أشهر وأن يقضي على مملكة بأسرها. نزول موسى بلاد الأندلس : وفي سنة 712م نزل موسى بن نصير بلاد الأندلس على رأس عشرة آلاف من العرب وأهل الشام لمشاركة طارق بالفتح والمغانم، فاحتل المدن والحصون التي تجنبها طارق، وخاصة مدينة اشبيلية التي حاصرها واقتحمها في صيف 713م كما لقي موسى مقاومة مدينة ماردة التي قاومت سنة كاملة قبل أن تسقط .. ثم قصد موسى مدينة طليطلة فاستقبله طارق بحفاوة بالغة .. وقيل أن موسى كان غاضباً بسبب عدم توقف طارق عن الزحف عندما أمره موسى بذلك .. ثم رضى موسى وتابع الزحف برفقة طارق، فاحتل المسلمون جملة مدن وحصون .. وكادت الاندلس أن تسقط بيد المسلمين بكاملها لو لم تأت رسل الخليفة الوليد تأمر كلاً من موسى وطارق بالعودة إلى الشام. معركة الزلاقه وتمزق الأندلس : بعد انهيار ملك بني أمية في الاندلس عمد رؤساء الطوائف فيها من عرب وبربر وموال إلى اقتسام النفوذ فيها، حتى كاد على كل مدينة أمير مستقل، فعرفوا بملوك الطوائف .. ومثل هذا التفسخ في جسم الدولة حمل القوي على أن يطمع بالضعيف، والضعيف على ان يلوذ بالقوي أو يستنجد بملوك الإفرنج الذين راحوا بدورهم يستولون على العواصم، فكانت رقعة العرب تنحسر بذلك مما أنذر بنهاية مشؤومة. خطر الافرنج : وراح ألفونسو السادس ملك قشتالة يضيق على المعتمد بن عباد ملك إشبيلية، فقرر هذا الأخير الاستنجاد بأمير المرابطين في المغرب يوسف بن أشفين .. ولما حذر الرشيد والده المعتمد من خطر المرابطين أجابه المعتمد: "رعي الجمال خير من رعي الخنازير"، أي أنه يفضل أن يكون مأكولاً ليوسف بن تاشفين يرعى جماله في الصحراء على أن يكون أسيراً عند "ألفونسو" يرعى خنازيره في قشتاله. نجدة ابن تاشفين : تلقى ابن تاشفين دعوة ابن عباس فحشد جيشه في مدينة "سبته"، ثم اجتاز المضيق إلى "الجزيرة الخضراء"، في شهر ربيع الآخر 479 هـ. (أغسطس 1086م) فوجد أمير إشبيلية بانتظاره، واتفقا على خطة مواجهة الخطر القشتالي .. ثم سار فرسان المرابطين في الطليعة وعدتهم عشرة آلاف فارس يقودهم داود بن عائشة، ثم الجيش الأندلسي يقوده ابن عباد، ثم الجيش الصحراوي بإمرة يوسف بن تاشفين، ونزلت الجيوش بظاهر (خارج) مدينة "بطليوس"، فخرج أميرها المتوكل ان الأفطس وقدم لهم الأقوات. تحالف أوروبي : فلما علم "ألفونسو" بالزحف المغربي والأندلسي، ارتد عن "سرقسطة" التي كان يحاصرها وعاد إلى "طليطلة" يحشد العساكر من قشتالة و "ليون" و "غاليسيا" و "غسكونيا" و "أشتوريش" و "أراغون"، كما جاءه المدد بالعدة والعدد من ولايات فرنسا الجنوبية .. فاجتمع لدى ألفونسو جيش عظيم تختلف الروايات في تقديره، ولكنها تتفق على عددهم كان يفوق بكثير عدد الجيوش الإسلامية. في سهل الزلاقة : وجاءت الأنباء أن ألفونسو زاحف بقواته إلى بطليوس، فنشط القادة المسلمون إلى ترتيب صفوفهم، وقام الفقهاء والخطباء يحضون على الثبات ويحذرون من الفشل. وأقبلت الجيوش الأسبانية بخيلها ورجلها تملأ الأرض فنزلت على مسافة قريبة من بطليوس ، في سهل تتخلله الغابات يعرف باسم الزلاقة، وعسكرت تجاهها الجيوش العربية يفصل بينهما نهر صغير. الحوار : فلما أخذت العساكر الاسبانية امكنتها أرسل ابن تاشفين إلى ألفونسو كتاباً يدعوه فيه إلى الاستسلام والدخول في طاعته، ومما جاء فيه : ( بلغنا يا أدفنش (ألفونس) أنك رغبت في لقائنا وتمنيت أن يكون لك سفن تعبر فيها البحر إلينا .. فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) .. فلما اطلع ألفونسو على مضمون الكتاب رماه أرضاً غاضباً وقال للرسول: "قل لمولاك أننا سنلتقي في ساحة الحرب" .. ولم يشأ العاهل الأسباني أن يباشر القتال قبل اللجوء إلى بعض خداعه، فما أن أصبح الخميس حتى وصل رسول "ألفونسو" يحمل كتاباً إلى يوسف بن تاشفين يقول فيه: ( غداً يوم الجمعة وهو عيدكم، والأحد عيدنا، فليكن لقاؤنا يوم السبت ) .. وفي رواية أخرى أنه استثنى يوم السبت أيضاً لأنه عيد اليهود، وفي المعسكرين كثير منهم، واختار للقاء يوم الاثنين. حذر المعتمد : استحسن الأمير المغربي تأجيل المعركة وخاله عدلاً فوافق عليه .. ولم يعلم أن ألفونسو قد يأخذه على حين غرة .. ولكن المعتمد بن عباد لم يطمئن إلى هذا الاقتراح المريب، واستشعر الحيلة من خلاله، فبث عيونه في الليل يتجسسون تحركات الاسبان، فعادوا إليه يخبرونه بأنهم أشرفوا على معسكر ألفونسو فسمعوا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة .. فبعث المعتمد إلى الأمير يوسف يطلعه على الأمر وييستحث نصرته .. وكان ألفونسو قد جعل على مقدمة جيشه القائد غرسيه، وعلى الجناحين ( شانجه ) و ( ريمندو ) وقام هو في القلب. بدء معركة الزلاقة : وعند السحر حمل جيش غرسيه أولاً يريد مباغتة الاندلسيين، وإذا داود بن عائشة يصدمه بفرسانه ويكسر حدة هجومه، فانكفأ الاسبان إلى خطوطهم .. ثم عادوا الكرة وحمل معهم ألفونسو بسائر الجيش ، وقد ارتفع صياح الأسبان وعلا قرع الطبول .. وكانت الحملة عنيفة لم يصبر لها العرب فتراجعوا مغلولين وطاردهم الاسبان إلى أسوار "بطليوس" .. ولم يثبت في الساحة إلا فرسان إشبيلية وأميرهم المعتمد بن عباد .. وأظهر ابن عباد من ضروب البسالة ما ملأ النفوس إعجاباً .. كما برز ابنه عبدالله وراح يقتحم الصفوف معرضاً نفسه للهلاك، فشج رأسه وجرحت يمنى يديه وطعن في إحدى جانبيه وعقرت تحته ثلاثة أفراس، وهو يجالد مستأسداً لا يترك المعركة ولما خف الأمل بالدفاع ارتد فرسان إشبيلية إلى الوراء. المفاجأة : وظن ألفونسو واهماً أن النصر أصبح حليفه، ولكن ساء فأله فبينما يطارد المنهزمين إذا بصرخة تتعالى وراء معسكره وقرع الطبول يتجاوب في الفضاء وكان ابن تاشفين قد خرج بعساكره من وراء أكمة مجاورة، وخف قائده أبو بكر بن سيرين بقوة البربر لمعونة المعتمد بن عباد، وسار هو بفيالقه الضخمة إلى معسكر الاسبان فأناخ عليه وانتهب ما فيه وحينئذ ارتد ألفونسو بجيوشه إلى المعسكر لينقذه، ودارت معركة ضارية كثر فيها الكر والفر من الجانبين، فتساقطت ألوف الضحايا من الفريقين، "وصارت الأرض ترتجف من وقع حوافر الجياد، وانعقد العجاج فأظلم النهار". انتصار المسلمين في معركة الزلاقة : وجمع ابن عباد شمل جنوده وارتد إلى ساحة القتال، واستمر العراك طوال النهار وانجلى عن هزيمة الأسبان وانتصار المسلمين، وأكره ألفونسو على الانسحاب من المعركة مع ما تبقى من رجاله واجتفل المنتصرون بأعظم ما حققوه وامتلأت ساحات إشبيلية وشوارعها بأهازيج الفرح، ولقي ابن تاشفين كل إكرام على يد ابن عباد ولذلك إن معركة الزلاقة (479 هـ/ 1086م) قد دونت حدثاً عظيماً في تاريخ الاسلام، فهي وإن تكت فتحت أبواب الأندلس لمرابطي أفريقيا، فقد ثبتت فيها أقدام المسلمين مدة أربعة قرون. معركة الأرك : شاء ألفونسو الثامن ملك "قشتالة" أن يحمل على عاتقه مهمة دحر الملوك الموحدين من بلاد الأندلس فراح يغزو مناطقهم، يعيث في بسطائها وينيخ على قواعدها، حتى أخذته نشوة الظفر وحدثته نفسه بأن يتحدى خليفة المحدين في المغرب، فيدعوه إلى الحرب مستهيناً به مثيراً حفيظته ( غيظه وحنقه ) !! عبور الموحدين : غضب الخليفة الموحدي يعقوب الملقب بالمنصور من تجبر الملك الاسباني واستخفافه بقوته، وأشفق أن تفلت بلاد الأندلس من يده فراح يعبئ الجيوش ثم عبر مضيق جبل طارق فانضمت إليه العساكر الأندلسية، فتألف منها جميعاً جحفل جرار تقدره بعض الروايات بستمائة ألف مقاتل، وكان الجيش النظامي فيه مؤلفاً من قوات الموحدين والفيالق الاندلسية، ومجموع غفيرة غير نظامية من قبائل العرب والبربر الراغبين في الجهاد. خطة القتال : وكان الخليفة المنصور يرمي في زحفه إلى مساورة "طليطلة" عاصمة مملكة "قشتالة" الاسبانية فبلغه أن "ألفونسو" الثامن حشد جيوشه بين "قرطبه" وقلعة رباح بالقرب من حصن الأرك فقصد إلى لقائه، ولما صار منه على مسافة يومين عقد مجلساً للشورى من كبار القواد وأصحاب الرأي، فأشار عليه القائد الأندلسي أبو عبدالله بن صناديد بتوحيد القيادة وخطة القتال، وأن تقوم الجيوش النظامية بمجابهة الاسبان وأن تبقى القوات غير القريبة، فإذا تساجل القتال فاجأ العدو بهجوم مفاجئ فاستحسن المنصور هذه الآراء وأمر بالتزامها. بدء المعركة : أما جيش قشتالة فلم يكن قليل العدد، ولكنه لم يكن يوازي جيش الموحدين في عدده وقد خشي ألفونسو من قلة جنوده أمام كثرة الموحدين ومناصريهم، فطلب عون ملك "ليون" وملك "نافارا" الاسبانيين، فحشدا العساكر وسارا بها اليه وتعمدا الإبطاء .. فلم يصبر ملك قشتالة واختار الهجوم، وابتدأت معركة الأرك في 19 يونيو 1195م أي في التاسع من شعبان 591هـ وكان الموحدون يحمون القلب بقواتهم النظامية، والأندلسيون في الميمنة يقودهم عبدالله بن صناديد وقبائل العرب البربر في الميسرة، والخليفة المنصور بحرسه وراء التلال وكان الجيش الجيش الأسباني في مرتفع تحميه قلعة الأرك من جانب وبعض التلال من جانب آخر. مغامرة مقدمة المسلمين من المتطوعة تمهد للمعركة بسهامها فما تدانوا من التل الذي عليه ألفونسو حتى "فاجأهم ثمانية آلاف من كل فارس غارق في الحديد، فتعالى الصياح واستكت آذان الفضاء من وقع سنابك الخيل، وتجاوب أصوات الأبواق والطبول"، فصبر أفراد المقدمة من الموحدين وكسروا من حدة القشتاليين وردهم على أعقابهم ثم اندفع الأسبان مجدداً فاخترقوا صفوف الموحدين وتوغلوا في الجناح الأيسر فمزقوه. مقتل القائد : ثم عطف القشتاليون على القلب فصعدوا جانبه، "وغصت حناجر الأرض من ابتلاع الدماء". ولشد ما عظمت فجيعة الموحدين بالقائد الأعلى أبي يحيى بن أبي حفص الذي تلقفته سيوف الأسبان وعندئذ علا التكبير من الجناح الأيمن، وحملت العساكر الاندلسية وبعض "زناتة" يتقدمهم القائد المجرب عبدالله بن صناديد، فاقتحموا قلب الجيش القشتالي وحجزوا بينه وبين فرسان الطاعنين في قلب الموحدين .. وكان ألفونسو يتولى قيادة الجيش بنفسه فتلقاهم ثابتاً ويدفع تيارات أمواجهم. ردة الفعل : وفيما الاندلسيون يواثبون سفح التل ووراءهم فرسان قشتالة يضربون قلب الموحدون، "وفيما النصر يراوح بين الجانبين لا يدري له مستقراً"، إذا بالطبول تقرع وراء الآكام والخليفة المنصور يطلع بحرسه المختار فينقض على فرسان قشتالة وهم يمنعون في القلب إرهاقاً، فيردهم عنه مندحرين. سقوط الأرك : أمام هجوم الموحدين المفاجئ تراجع الأسبان مكرهين وانهزموا إلى التلال يتحصنون وأبي الخليفة الموحدي أن ينتهي النهار قبل إحراز النصر كاملاً فجمع الجيش ومشى إلى التلال مع القوات الأندلسية فدافع الأسبان ما استطاعوا، حتى لم يبق منهم إلا فضلة يسيرة خشيت أن تخسر ملكها، فأكرهته على الانكفاء منقذه حياته ثم اقتحم المسلمون حصن الأرك فاستولوا عليه، وهاجموا قلعة رباح فامتلكوها، وانتهت المعركة بانكسار ساحق للقشتاليين. نتيجة المعركة : يقول ابن خلدون أن القشتاليين خسروا في هذه الواقعة ثلاثين ألف قتيل أما ابن الأثير فيجعل القتلى ستة وأربعين ألفاً، الأسرى ثلاثة عشر ألفاً، ويقدر قتلى المسلمين بنحو عشرين ألفاً، وكانت الغنائم عظيمة جداً .. إن موقعة الأرك قد أوقعت هيبة الموحدين في نفوس الملوك الأسبان، فأسرعت مملكتا "ليون" ونافرا إلى محالفة الخليفة المنصور، وهما في تأخرهما عن نجدة ألفونسو القتشتالي أسهما في ايصاله إلى هذه النتيجة الفاجعة .. ثم أن ألفونسو نفسه التمس من المنصور الهدنة بعدما أبصر جيوشه تتابع الغزوات في ولاياته وتبلغ أبواب طليطلة عاصمته .. وقد رضى المنصور بمهادنته بعدما بلغه خبر اندلاع ثورة قام بها بعض قبائل المغرب .. فعاد إلى مراكش وقضى على الفتنة وانصرف إلى إصلاح شؤون البلاد.. سقوط الأندلس : بعد تفرق العرب وتخاذلهم وبعد تمزق الأندلس إلى دويلات متناحرة عاد التيار الصليبي من جديد ليعيد قبضته على الأندلس وتسقط غرناطة آخر المعاقل الإسلامية لتغرب شمس الإسلام عن الأندلس ولتبقى آثارهم وقصورهم ومساجدهم كدليل على أن العرب حملوا إلى أوربا العلم والنور والأخلاق وتؤكد أن ما وصلت إليه أوربا اليوم من تطور وتقدم قد وضع العرب البذرة الأولى له منذ نزول قدم طارق بن زياد لأول مرة على تراب الأندلس ..