نبذة النيل والفرات:
كيف يفهم اليهودي دينه؟ كيف يشرحه، ويعبر عنه؟ كيف يعيشه ويطبق شرائعه ونواميسه؟ كيف يعي، هو نفسه، تاريخه ويرويه؟ كيف يقنن شرائعه لتتجاوب مع العصر؟ كيف يعلم مبادئ دينه لأبنائه، إنها المقاربة الداخلية للأديان والتي تسعى إليها هذه السلسلة "اليهودية بأقلام يهودية". وأولى شروطها أن نصغي للآخر كآخر ومختلف، وأن نجتهد لندعه يتكلم، لا بل حتى أن نفرض الصمت لحين على وجهات نظرنا، وذلك كي نفهم هذا الآخر كما يفهم هو نفسه، وليس كما كنا نتخيل، أو نتمنى فهمه قبل أن يتكلم.
وفي هذا الكتاب من هذه السلسلة يتكلم إسرائيل ولفنسون، وهو عندما قرر خوض الحديث في غمار موضوع شائك، هو تاريخ اليهود في بلاد العرب، وصراعهم مع الإسلام في بداياته، كان رائداً في هذا المجال، ومبحراً في خضم محيط لم يسبق لأحد من المؤلفين العرب، المعاصرين له، أن خاض لججه.
وإلى هذا أشار طه حسين، أستاذه والمشرف على أطروحته هذه، بقوله: "ولم يكن تاريخ هؤلاء اليهود في بلاد العرب، قبل الإسلام معروفاً على وجهه" إلى أن يخلص منوّهاً بجهد تلميذه: "كتاب كانت اللغة العربية في حاجة إليه، فأظفرها بهذه الحاجة".
هذا وقد أشار الباحث إلى دقة خطورة التطرق إلى موضوع كهذا. فقال في مقدمته: "لقد صرح لي غير واحد من الأصدقاء بأنهم يوجسون خيفة من ثوران عواطف بعض المجموعات من المسلمين واليهود من جرّاء التعرض لموضوع الخلاف الذي نشأ بين الرسول ويهود يثرب، وأن ميلنا إلى إحدى الفئتين قد يكون سبباً في إثارة سخط الطائفة الأخرى".
لكن ولفنسون قَبِلَ مواجهة هذا التحدي فأجاب: "لكننا نعتقد أن رسالتنا موجهة إلى طائفة المفكرين الذين لا ينشدون دعوة خاصة في كتاباتهم، بل يقصدون دائماً إلى البحث المجرد عن العواطف القومية والدينية" وهو يزعم أنه يكن الاحترام والتقدير لكل من الفئتين يقول: "ما من أحد ينظر بإمعان وإنصاف إلى حوادث اليهود والأنصار في يثرب دون أن تمتلئ نفسه بشعور الإجلال للفئتين".
فالبحث المجرد عن العواطف الدينية والقومية أولاً، وموقفها الإجلال لطرفي النزاع ثانياً، هي إذاً ما يدّعي أنها منطلقات بحثه وأسسه، وسيرى القارئ مدى تقيد إسرائيل ولفنسون بهذه المنطلقات.
فهذا هو الكتاب/الأطروحة يعاد نشره بعد مضي حوالي ثمانية عقود على تصنيفه، ليكون مثال نقد ونقاش ونقد وطرح لمثل هذه المواضيع على بساط البحث