اعتادت ليلى أن تكتب في دفتر مذكراتها الكثير من عبارات الشوق والحنين للرجل الوحيد الذي أحبته وما زالت تتمنى لقاءه من جديد.. اليوم تجددت الذكريات وعصف الألم والندم في قلبها.. أمسكت بقلمها الأسود وخطت لحبيبها هذه الكلمات: اشتقتك.. اشتقتك يا من تسببت في جرحه وإيلامه.. يا من خنت ثقته وكذبت عليه.. ألا يكفي حبي الصادق لك لتغفر لي ما فعلته.. عد لي.. أرجوك عد.. فما أنا وما هي حياتي إن لم تكن معك.
أجهشت ببكاء مرير وهي تستعيد ذكريات ما دار بينهما قبل عام من تاريخ هذا اليوم.. رأته لأول مرة أمام بوابة الجامعة.. كان يبدو غاضباً قلقاً على شيء ما.. وقفت على مقربة منه وأخذت تراقبه بصمت وتتابع تحركاته.. شيء ما جذبها إليه وهي تراه على تلك الهيئة.. كان شاباً وسيماً بهي الطلة.. أخذ ينظر في ساعته ويلتفت يميناً وشمالاً.. يبدو أنه في انتظار أحد ما .. وما هي إلا بضع دقائق حتى تغيرت ملامحه وتبدلت هيئته الغاضبة إلى فرح سكن عينيه و ابتسامة آسرة استلقت على شفتيه لتزيده جمالاً وبهاء.. نظرت باتجاه عينيه وإذ بفتاة جميلة تقترب منه مسرعة وتقدم اعتذارها لتأخرها عليه.. تحدثا بصوت منخفض ومن ثم ذهبا في طريقهما.. بينما تسمرت ليلى في مكانها وهي تغبط تلك الفتاة على حظها الجميل ومعرفتها بذلك الشاب.
كان الفصل الدراسي في أوائل أيامه.. وفي إحدى المحاضرات حضرت فتاة متأخرة إلى قاعة التدريس.. كانت ليلى تجلس في الصفوف الأمامية.. ولم تصدق عينيها عندما رأت تلك الجميلة تقف أمامها.. قررت ليلى مصادقتها كي تتمكن من رؤية ذلك الوسيم مجدداً وتقصي أخباره .. وفي غضون أسبوعين توطدت أسباب الصداقة بينها وبين تلك الفتاة التي كانت تدعى سلمى.. أخبرتها سلمى عن قصة حبها لسليم وكيف التقت به وتحولت صداقتهما إلى حب جميل يجمعهما.. ذات يوم شاءت الظروف أن يجتمع ثلاثتهم أمام بوابة الجامعة.. كانت ليلى في غاية السعادة.. فهذا الشاب الذي التقت به صدفة وانجذبت إليه يقف اليوم أمامها ويتحدث إليها ويشكو بمرح من تصرفات صديقتها التي لا تلتزم بمواعيدها معه.
انبهرت ليلى بشخصيته وبروحه المرحة.. كانت تنتظر انتهاء المحاضرات بفارغ الصبر لتذهب مع سلمى للقاء حبيبها.. ومع الوقت أصبح هاجس ليلى الوحيد أن تحظى باهتمام سليم وتتقرب إليه.. وفرصتها الوحيدة كانت في استغلال خلافاته مع حبيبته.. كان سليم مولعاً بحب سلمى.. ولكنه شديد الغيرة وسريع الغضب وهذا الأمر لم يرُق لسلمى التي تحب أن تتصرف بحريتها سواء في طريقة لباسها أو في طريقة حديثها مع الآخرين.. حيث ترى أنها طالما تحب أحداً فلن ينجح غيره باستقطاب انتباهها واهتمامها وبالتالي لا داعي لغيرة سليم الزائدة عن حدها.. وكانت تلك هي الثغرة التي مكنت ليلى من إشعال الخلافات بين الحبيبين بشكل دائم.. فأخذت تقنع سلمى بصواب وجهة نظرها.. في الوقت الذي كانت تتعمد فيه ذكر كل ما حدث مع سلمى من مواقف مع زملائها أمام حبيبها لتزداد خلافاتهما.. وفي أحد الأيام تمكنت ليلى من الحصول على رقم هاتف الشاب بعد أن أقنعت سلمى أنها ستحاول أن تحدثه وتنقل له وجهة نظرها وتحاول تهدئة الأمور بينهما.. وهكذا وجدت طريقها نحو الرجل الذي فتنها بعيداً عن أنظار محبوبته.
لم تكن ليلى سعيدة بتصرفاتها.. كانت تشعر بأنها خبيثة وماكرة.. الأمر الذي جعلها تتألم وتعاني كثيراً.. كم تمنت لو أنها التقت سليم في ظروف أخرى.. كل ليلة تقنع نفسها بضرورة ترك الحبيبين ليرسمان مصيرهما دون أن تؤذي علاقتهما بدهائها.. ولكنها عندما ترى سلمى تشتعل غيرتها فتزداد اصراراً على ما تفعله.. ورويداً رويداً نجحت في الحصول على ثقة سليم الذي اصبح يهاتفها ويشكو لها من سوء معاملة سلمى له وإصرارها على عدم مراعاة إحساسه ومشاعره التي لا تحتمل رؤيتها وهي تتحدث وتتصرف بحرية مع الآخرين.. عدا عن طريقة لباسها التي تظهر مفاتنها وجمالها.. ولأنه كذلك اهتمت ليلى بنقل كل ما تفعله سلمى مع افتعال بعض المواقف الكاذبة لأجل أن تبقيه غاضباً من محبوبته.
أثناء ذلك سعت ليلى للتقرب من سليم كي يلتفت إليها.. فبدأت تحدثه عن نفسها وعن ظروف حياتها الصعبة وعن رأيها في الحب وكيف لو كانت مكان سلمى لفعلت المستحيل لأجل إرضاء حبيبها.. كان أسلوب ليلى في الحديث جميلاً ومحبباً.. فهي حلوة المعشر.. لطيفة جداً وتمتلك روحاً مرحة عدا عن جمالها الدافئ.. ومع الأيام أصبحت الصديقة المقربة لسليم دون أن تتنبه سلمى لكل ذلك.
بعد فترة أعدت الجامعة رحلة جامعية للطلاب والطالبات إلى دولة مجاورة خلال العطلة بين الفصلين.. وعندما أخبرت سلمى حبيبها عن الرحلة طلب منها عدم الذهاب.. فاعترضت سلمى وأصرت على الذهاب كي لا تسمح له بالتحكم بها إلى تلك الدرجة.. وهنا هددها سليم بأنها إن ذهبت فسوف تنتهي علاقته بها نهائياً.. وفي لحظة غضب وتحدِ مقصود من سلمى أعلنت تفضيلها الذهاب إلى الرحلة بدلاً من البقاء مع شخص لا يثق بها ولا يحترم حريتها.
وهكذا انفصل الحبيبان نتيجة هذا الموقف.. وجاءت ليلى لتواسي سليماً وتحاول تهدئته.. وبعد مرور فترة ليست بالقصيرة على فراقهما عاد الشوق والحنين يتجدد في قلب المحب.. ولكن سلمى ما كانت لتغفر له تهديده بإنهاء علاقتهما نتيجة رغبتها في الذهاب إلى الرحلة.. ولأجل ذلك تعمدت عدم الرد على مكالماته وإلغاء كافة رسائله المستمرة إليها.. فهي مجروحة ومتألمة جداً منه ومن تهديده بإنهاء العلاقة لأجل سبب تراه لا يستحق!!!.. ولذلك أصرت على موقفها بعدم التحدث إليه لفترة من الوقت.. وأوصت ليلى أن تتصل به وتطالبه بالكف عن محادثتها.
أثناء ذلك سعت ليلى جاهدة لإقناع سليم بالتخلي عن حبيبته.. والاهتمام بمستقبله بدلاً من الحزن على حب فاشل.. ولكنه قرر أن يحاول المحاولة الأخيرة والتي ظن أنها ستعيد محبوبته الغاضبة منه.. فطلب من ليلى تسليم رسالة خطية لها.. يقدم فيها أسباب رفضه لذهابها متسلحاً بحبه وخوفه وغيرته عليها .. فأخذت ليلى منه الرسالة ووعدته بأن تجعل سلمى تقرأها وتقنعها بموقفه .
عندما عادت إلى بيتها سارعت إلى فتح مغلف الرسالة لتقرأها.. كانت تتكون من عدة صفحات.. قرأت فيها أجمل عبارات الحب وأرق كلمات الاشتياق.. فازداد غيظ ليلى كثيراً ووجدت نفسها تمزق تلك الرسالة دون أن تعي ما تفعل.. وفي اليوم التالي ذهبت إلى سليم وأخبرته بسوء ما فعلته "سلمى" عندما استلمت رسالته وعملت على تمزيقها أمامها فور قراءتها!!.. لم يصدق سليم ردة فعل سلمى فزاد حزنه وزاد ألمه لسوء تصرف حبيبته معه.. وأدرك بأنها بذلك تخذله وتخذل الحب الجميل بينهما لأنها تفضل تلك الرحلة السخيفة على كل ذلك.. اعتذر سليم من ليلى لأنه لم يكن في وضع نفسي يسمح له بالجلوس معها أكثر .. وهكذا غادرها وهو في أقصى حالات الألم وعندما قطع الشارع لم يتنبه لقدوم سيارة مسرعة باتجاهه ضربته وطرحته أرضاً في ثوان معدودة.. حدث هذا المشهد أمام ليلى التي صرخت بأعلى صوتها وركضت مسرعة نحو الحادث.. تم طلب الاسعاف سريعاً لأجل نقله لأقرب مستشفى.. وعندما وصلوا اتصلت ليلى بعائلته وأخبرتهم بالحادث الذي تعرض له ابنهم.
جلست تبكي بألم وندم على ما فعلته.. فاليأس والألم الذي انتاب سليماً بعدما علم بتمزيق رسالته كان شديداً وصعباً عليه ولهذا لامت نفسها لأنها كانت المتسببة لهذا الحادث الذي لا تعلم كيف سيخرج منه.. مضى عليه وقت طويل وهو في غرفة العمليات.. وأخيراً خرج الطبيب وطمأن أفراد عائلته بأنه بخير ولكنه أصيب ببضع كسور في ساقيه.. وعليه أن يبقى في العناية المركزة حتى تستقر حالته.