تسود في الحياة الاجتماعية في كثير من بلدان العالم اليوم، موجة الحديث عن جمال الرجل، وإبراز مفاتنه، والتغزل بمميزاته وخواصه الجمالية المتفردة. وتفرز هذه الموجة طقوسها الخاصة، ولغتها التسويقية والترويجية، التي تتخذ من آليات السوق وعالم الأضواء والإعلان ومعايير العرض والطلب، مجالا لها.فيما مضى كان نموذج الفتى الوسيم في السينما وظيفته إبراز جمال البطلة، أي ان يكون الممثل وسيما إلى حد ينسجم مع مستوى جمال البطلة، وأهلا لأن تعشقه وتقنع المشاهد بأنها تعاني من أجله.. وبذلك كان الجمال الرجولي مرتبطا بجمال المرأة المعتبر اجتماعيا، أما اليوم فصار الجمال الرجالي مستقلا بذاته، أي غاية بحد ذاتها.. ولها مظاهرها من عروض الأزياء الخاصة بالرجال، والتي يستخدم فيها شبان وسيمون، بات الكثير منهم يلعب لعبة الاستعراض نفسها التي تلعبها العارضات النساء، حيث الإستعراض الممزوج بالإغراء والإيحاءات الجنسية المثيرة.. إلى انتخاب ملوك الجمال الرجالي، ومنهم على سبيل المثال مستر ليبانون اللبناني، إلى استخدام الرجال في صور إعلانية بأوضاع مثيرة، وصدور عارية، وشفاه تقطر منها الشهوة، للترويج للعطور ومعجون الحلاقة والملابس الرجالية وسواها.. واخيرا وليس آخرا، هوس عميلات التجميل الذي بات ينتقل إلى الرجال أيضا.
طبعا ليس بالضرورة، ان تكون موجة الاهتمام بالجمال الرجولي، لها علاقة بانتشار الشذوذ الجنسي، وإن كانت في جزء منها تعبر عن ذلك.. لكن في الجزء الأعم منها، لها علاقة بإثارة اهتمام النساء للبحث عن نموذج مجسد لرجل الأحلام المشتهى، وللجسد الرجولي المشتهى في ظل انفتاح المرأة في التعبير عن شهواتها في كثير من المجتمعات، كما ان تسويق جمال الرجل كقيمة وحالة وأنموذج اليوم له علاقة أيضا بإثارة اهتمام الرجل نفسه، ليجعل من نفسه نموذجا جماليا قادرا على جذب المرأة، ولفت نظرها، وإثارة غرائزها للارتماء في أحضانه، كما فتى الإعلان، أو عارض الأزياء أو النجم السينمائي الوسيم من قبل.
وقصارى القول: تحول الرجل إلى سلعة، وإلى جسد حامل لقيم تسويقية جمالية حينا، وجنسية أحيانا، وبات مفهوم الرجولة المرتبط بالشرف والفروسية الحقة، ومضامين العمل المبدع والمنتج، والحامل لمسؤوليات بناء حقيقية، صارت الرجولة المرتبطة بهذه المفاهيم مهددة بالانقراض، أو بتضاؤل تأثيرها في سلم القيم الاجتماعي على أحسن تقدير.. فهل نعيد الاعتبار إلى معنى الرجولة، خارج هوس البحث عن الجمال على حساب القيمة، والاستعراض على حساب الشهامة، والإيمان بقيمة العمل على حساب التبجح بحظوظنا الجمالية كرجال في سوق العرض والطلب؟
قيل لعلي رضي الله عنه : صف لنا الدنيا . فقال : ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء ، حلالها حساب وحرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن