دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الثلاثاء 30 آذار 2010
فيصل خرتش
في هذا الكتاب، تاريخ فلسطين القديم، من خلال علم الآثار، يعرض الدكتور عفيف بهنسي للحفريات الأثرية التي تزاحمت خلال قرن كامل في فلسطين، ومنذ العام 1967 تتابع فشل هذه الحفريات التي قام بها الإسرائيليون حصراً، واعتماداً على اعترافات الأثريين من العاملين في فلسطين وفي بلاد الشام، وعلى نتائج حفرياتهم التي كشفت عن حضارة كنعانية امتدت منذ الألف الثالث قبل الميلاد.
تتضمن التوراة مجموعة واسعة من أسماء الأمم والملوك والأشخاص ومجموعات واسعة من أسماء الأمكنة، ولم تؤكد الكشوف أياً من الآثار التوراتية على أرض فلسطين، إذاً فالتوراة هو كتاب أدبي ديني، امتلأ بأسماء أمكنة كانت قد فسرت مواقعها على منطقة تمتد من نيل مصر إلى فرات العراق عبر بلاد الشام وسيناء، وهذه الأسماء لم تجد لها محلاً على الخارطة الجغرافية المترامية الأطراف.
ومن المؤسف أن ما ورد في التوراة من أساطير وقصص أخذ على أنه حقيقة تاريخية، إلى أن قام نابليون بونابرت بحملته باتجاه مصر وفلسطين داعياً اليهود إلى مناصرته، موجهاً إليهم في رسالته الطويلة نداءً توراتياً، قائلاً فيه: «يا ورثة فلسطين الشرعيين، سارعوا، للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم». وزادت اتفاقية «سايكس بيكو» بأن حققت جانباً هاماً مما يريده الصهاينة، فلقد أعطت فلسطين هوية جغرافية مستقلة عن بلاد الشام، ثم جاء «وعد بلفور» الذي اعترف بوجود الشعب اليهودي بعد أن كانت اليهودية مجرد دين، واعترف أن لهذا الشعب حقاً في أرض مصر «فلسطين التوراتية» حسبما ورد في التوراة. ولأن التوراة أصبح المصدر الأساسي للتاريخ القديم الذي جرت أحداثه في منطقتنا العربية، فإن علماء الآثار اتجهوا إلى هذه المنطقة باحثين عن آثار هذا التاريخ القديم، والتقت جهودهم بالأهداف الصهيونية التي تريد أن تؤكد طبيعة الأرض التاريخية، وأن تؤكد أحداث التوراة وتاريخهم وجهودهم على مسرح الأحداث الهامة، ودورهم الديني المتميز، إن جميع أعمال التنقيب أتت خاضعة للبحث عن إسرائيل القديمة وليس عن فلسطين القديمة، أرض كنعان، ولقد نوّه «إدوار سعيد» في كتابه «الاستشراق» أن فلسطين كانت وطناً لحضارة عريقة ولكن هذه الحضارة لم تذكر إلا في جملة قليلة. ومازال تاريخ فلسطين القديم مهمشاً، لا وجود له إلا كخلفية لتاريخ فلسطين.
أنشئ عام 1845 صندوق استكشاف فلسطينExploration fund of Palestine ، وكانت أول أعماله إجراء مسح شامل لـ 26 خارطة، وأطلق على الموقع أسماء توراتية مع تغيير أو تحريف واسع للأسماء الكنعانية والعربية، ولقد استطاعت الدعاية الإسرائيلية إدراج تفسيرات مفترضة في «ناموس الكتاب المقدس»، نجحت في ترسيخ الأفكار التوراتية عند الباحثين الأجانب قبل الإسرائيليين.
ويتحدث «وايتلام» في كتاب «اختلاق إسرائيل» عن وهم الاعتقاد بوجود مملكة إسرائيل، ويؤكد أن اليهودية لم تكن إلا لحظة عابرة في مسيرة التاريخ الحضاري في فلسطين، وأنه يجب دراسة تاريخ فلسطين مستقلاً عن تاريخ إسرائيل على أن يعتمد التاريخ الأول على الدراسات المتعاقبة والوثائق التي يفتقدها تاريخ إسرائيل، وكان العالم البرايت W.F. Albright أول الأثريين المقيمين في فلسطين، منذ 1899-1971، الذي تولى إدارة آثار فلسطين ووجه التنقيب باتجاه البحث في تاريخ إسرائيل، وليس في تاريخ فلسطين.
تحت سيطرة صموئيل المفوض السامي البريطاني اليهودي، إلى جانب العالم غارستانغ ثم ابتدأت المعارضة في اتجاههم من العالم فنكلشتاين، وايت وايتلام، طومسون الذي حورب بشدة وطرد من جامعته، وتلقته جامعة كوبنهاغن في الدانمرك، واعترفت أن طومسون كان دقيقاً في بحثه وشجاعاً في مناهضته للأفكار غير العلمية، ويؤكد وايتلام أنه لا بد للفلسطينيين من إثبات تاريخهم وفضح محاولات استعمارية تعتمد على قوة عظمى، اختلقها التوراتيون كانت تدعم إسرائيل القديمة وصوروها على أنها امبراطورية لتبرير أحلامهم، أرضاً ليست لهم، بينما يرى وايتلام «أن إسرائيل القديمة لم تكن إلا خيطاً رفيعاً في نسيج التاريخ الفلسطيني».
في الخامس من أيار 1891، بدأت هجرة جماعية من يهود روسيا (أقوام بحر الخزر) باتجاه فلسطين، وكانت هذه الهجرة نتيجة المذابح التي شملتهم مثلما كانت هجرة اليهود الالمان بسبب مذابح هتلر، وقد صرح الرئيس ترومان: «إننا نريد أن نسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، بقدر الإمكان، وعند قيام دولة يهودية هناك فسوف تتم الهجرة وفق أسس سليمة» وقال في رسالة أخرى: «ليساهموا بمواهبهم وطاقاتهم في إقامة الوطن القومي اليهودي».
السيدة كاتلين كينيون قامت في أريحا 1952-1958 بحفريات هامة، أثبتت أن سور أريحا المكتشف يعود إلى العصر البرونزي القديم، وأنه لا صحة من أن العبرانيين احتلوا أريحا وفي عام 1960-1961، استمرت السيدة كينيون العالمة البريطانية بالتنقيب في القدس وأريحا، وآخر تقاريرها تؤكد أن ما حسبه المنقبون من أسوار وأبراج تعود إلى عهد داوود، أو من قوس أعتقد روبنسون أنه يعود إلى عهد داوود أيضاً، هو خطأ، بل إن جميع هذه المنشآت تعود إلى القرن الثاني الميلادي، أي إلى العصر الروماني، ونفت أن تكون الأحجار من بقايا الهيكل، إن كل ما عثر عليه يعود إلى عصر هيرودوس في بداية الميلاد، وليس من بين البقايا ما يعود على هيكل هيرودوس، حتى تاج العمود المنسوب إليه فهو يتسم بطابع مصري.
لم يستطع الأثريون، تقديم أي دليل أثري على مرويات التوراة، بل لقد أثبتت الحفريات أن ما ذكره المنقبون من تصورات تتعلق بما سمي قلعة شاؤول في تل الغسول، وما يسمى بتحصينات داوود في القدس، أو اسطبلات سليمان في تل المتسلم، كلها تصورات وهمية قام الأثريون بافتراضها ولم تكن هناك آثار تعود إلى عهد داوود أو سليمان.
وجميع الحفريات التي عثر عليها نراها من خلال جرار عليها كتابات روديسية وأختام باللغة الآرامية، وهي أقدم أختام رسمية وجدت في القدس، أما المباني الرومانية فهي أكثر وضوحاً وقد أطلق عليها العامة أسماء توراتية خطأ.
لقد تمت حفريات خارج أسوار الحرم من جهة الجنوب، وكان القصد منها اكتشاف آثار الهيكل، ولكن الآثار كانت أموية، هي قصور ومسجد أنشئت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، حتى جدار المبكى المقدس عند اليهود، فقد أكدت لجنة البراق الدولية أنه يعود إلى أملاك إسلامية. ومنذ العام 324م، أصبحت القدس، مركز النشاط المسيحي مع بيت لحم مهد المسيح، والعاصمة كانت قيسارية ولم تكن القدس أكثر من مدينة مقدسة تعرضت لاجتياح الفرس وطرد البيزنطيين في العام 914م، ثم تراجعت مكانتها، إلى أن جاء العرب في العام 628م، فازدهرت معمارياً وما زالت قبة الصخرة مثالاً رائعاً لهذا التراث العربي الإسلامي.
-تاريخ فلسطين القديم
-الدكتور عفيف بهنسي
- الهيئة العامة للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق 2009
-عدد الصفحات: 152- قطع كبير
المؤلف في سطور:
ولد د. عفيف بهنسي في مدينة دمشق عام 1928 دكتوراه دولة من السوربون عام 1987 دكتوراه في تاريخ الفن 1964 السوربون، عمل مديراً للفنون الجميلة من عام 1962 حتى عام 1971 ومديراً عاماً للآثار والمتاحف من عام 1971 حتى عام 1988، وأستاذاً للتاريخ والفن والعمارة في عدة جامعات عالمية وعربية، وفي جامعة دمشق منذ عام 1959 حتى اليوم نال عدة أوسمة وميداليات تقديراً لأعماله ومساهماته العلمية.
عضو جمعية البحوث والدراسات له كثير من المؤلفات