قال تعالى [وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الاسراء:104)
كلمة لفيف تعني الشيء المجتمع و الملتف من كل مكان و اللفيف ؛ القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا، واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، واللفيف الجَمْع العظيم من أخلاط شتى فيهم الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف.
و هذه الآية هي من الإعجاز الغيبي الذي جاء به القرآن الكريم و تدل على أن من علامات قرب قيام الساعة هو إجتماع اليهود في مكان واحد و لم يجتمع اليهود في التاريخ في مكان واحد عبر التاريخ إلا مؤخراً في فلسطين .
ورد في تفسير فتح القدير للإمام الشوكاني:
"فإذا جاء وعد الآخرة" أيّ الدار الآخرة وهو القيامة أو الكرّة الآخرة أو الساعة الآخرة "جئنا بكم لفيفاً"
قال الجوهري:
اللفيف هو ما أجتمع من الناس من قبائل شتى، يقال جاء القوم بلفّهم ولفيفهم: أي باخلاطهم، فالمراد هنا جئنا بكم من قبوركم مختلطين من كل موضع، قد اختلط المؤمن بالكافر.
قال تعالى في سورة الإسراء [ وقضينا الى بنى اسرائيل فى الكتب لتفسدن فى الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ، فاذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بئس شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا مفعولا ، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددنكم بأموال وبنين وجعلنكم أكثر نفيرا . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الاخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا ]الآيات من 4 إلى 7
اجتماع اليهود في فلسطين مرتين هي حقيقة تاريخية وواقعة وقبل ذلك مثبتة في القرآن الكريم، فهم أقاموا فيها دولة لها سيادتها وعلوّها الذي وعدهم الله به، قبل قيام الدولة الحالية في زمننا هذا. وكان الوعد لهم من المولى عز وجل مشروطاً بتقوى الله وتمسّكهم بالتوراة وعدم فساد نفوسهم.
قامت الدولة اليهودية الأولى بعد وفاة هارون وموسى عليهما السلام في صحراء سيناء، حين تولى يوشع بن نون القيادة بعد موسى ودخل ببني إسرائيل فلسطين عن طريق شرق الأردن إلى أريحا.
تقسمت خلالها الأرض المفتوحة بين إثني عشر سبطاً من أبناء يعقوب عليه السلام.
وكان الحكم فيهم عشائرياً، قبلياً بدائياً.. يحكمهم قضاة من الكهنة. واستمر هذا العهد العشائري البدائي -بسبب حياتهم كبدو في صحراء سيناء- حوالي قرن من الزمان بحسب تقدير المؤرخين وذلك حتى أتسع نفوذهم.. ثم أنتقل حكم قضاتهم ورؤسائهم إلى حكم ملكي وأصبح الكهنة ملوكاً.
كان منهم الملك صموئيل شاءول وهو المذكور في القرآن الكريم باسم طالوت والذي كان داود النبي عليه السلام أحد جنوده في جيش قاده في معارك ضارية ضد من حولهم ( معروفة قصة داود عليه السلام حينما تغلّب على جالوت وقتله ومن هنا ظهر داود عليه السلام كـ قائد له أهميته ) وكان عليه السلام الملك الثاني فيهم وأتخذ من القدس عاصمة لملكه، مشيداً الهيكل المقدس، ناقلاً إليه التابوت.
دام حكمه أربعين سنة ثم جاء بعده أبنه سليمان النبي عليه السلام الذي خلّفه في الملك وعلا نجمه حتى صاهر فرعون مصر “شيشنق” غير أنّ ملكه انكمش في آخر عهده مقتصراً على غرب الأردن. و هو الذي شيد الهيكل ونقل إليه التابوت و خيمة العهد.
بعده جاء رحبعام الذي لم يحظ بمبايعة الأسباط، فمال عنه الاسرائيليون إلى أخيه يربعام..وبدأ الانقسام في دولة اليهود إلى مملكتين:
- شمالية واسمها اسرائيل وعاصمتها شكيم أو نابلس، حكمها 19 ملك وتناقل الحكم فيها في عدد من الأسر.
- جنوبية اسمها يهوذا وعاصمتها القدس، أيضاً حكمها 19 ملك، اتصل الملك فيها في ذرية سليمان عليه السلام.
التدمير الأول:
حصل التدمير الأول الذي أخبرت عنه الآية خلال الأعوام من سنة 721 قبل الميلاد حين سقطت مملكة اسرائيل في قبضة الأشوريين في عهد سرجون الثاني ملك آشور ثم في سنة 587 قبل الميلاد حين سقطت مملكة يهوذا في قبضة البابليين في عهد بختنصر او نبوخذنصر فـ دمر عاصمتهم القدس والمعبد وأسر وسبى اليهود وأجلاهم إلى بابل حيث ظلوا هناك حتى تغلب كورش ملك الفرس سنة 538 قبل الميلاد على البابليين وسمح لليهود بالعودة إلى فلسطين واستعاد من عاد منهم إليها بعض أوضاع حياتهم الأولى قبل السبي ولكنهم فقدوا استقلالهم ولم ينعموا به بعد ذلك إلا فترات قصيرة.. فحكمهم الفرس أولاً لمدة قرنين كاملين، ثم المقدونيين خلفاء الاسكندر الأكبر سنة 320 قبل الميلاد.. ومن بعده جاء البطالسة.. ثم الرومان سنة 63 قبل الميلاد بقيادة بامبيوس. وفي سنة 20 قبل الميلاد بنى هيرودوس هيكل سليمان من جديد، وظل الهيكل قائماً حتى زمن التدمير الثاني.
التدمير الثاني:
كان التدمير الثاني سنة 70 بعد ميلاد المسيح عليه السلام، حيث دمر الامبراطور تيطس المدينة ودمر الهيكل وأحرقه.
ثم جاء أوريانوس بعد التدمير الثاني سنة 135م، وأزال معالم المدينة تماماً بسبب ثورة قام بها اليهود وتخلص منهم بالقتل والتشريد، وبنى مكان هيكلهم المقدس هيكل جوبيتار الوثني فأصبحوا من بعدها وحتى يومنا هذا مشتتين هائمين على وجوههم في مختلف بقاع الأرض