هذه السيدة التي اتحدث عنها تستحق ان ألقبها بــ ' أم الخير ' فهي نموذج للانسان الذي يسارع للخيرات فضلا عن صفات اخرى تتحلى بها كالصبر والحلم .. كانت تساعدني في تحضير الزيت والماء والاعداد لعلاج المرضى . هي في العقد الخامس من عمرها تقريبا انعم الله عليها بذرية منهم الذكور ومنهم الاناث ، غير أن الله ابتلاها في اولادها فصبرت وأظهرت حسن الايمان بقضاء الله وقدره .
والقصة تبدأ بيوم كنت أقوم فيه بعملي في الجريدة ، واذا بجرس الهاتف يرن حاملا صوت رجل الاستعلامات يقول ' ضيف لك تحت ' نزلت فإذا بشاب في الثانية والعشرين من العمر تبدو عليه آثار الفزع والتوتر . مــالــخـبــر ؟ اختي الكبيرة في حالة هستيرية غريبة ولا نعلم ما بها فهي تحاول خنق نفسها وتتشاجر مع زوجها ونحن آسفين على ان جئناك في مقر عملك . قلت : لا بأس ، واستأذنت من المسئول وخرجت مع الشاب ذاهبا الى منزل اخته ، فوجدتها في حالة هياج تام . طرحتها ارضا وبدأت اقرأ عليها آيات الرقية ، الى أن نطق الخبيت الذي فيها . ماذا تريد ؟ احبها ولن ادعها لزوجها . أأنت فيها بدافع الحب أم بدافع السحر ؟ بدافع السحر ثم أحببتها بعد الدخول فيها . وواصلت القراءة عليه حتى صرخ معلنا انه سيخرج الى غير رجعه .. لكن شيئا بداخلي حدثني انه غير صادق ، فطلبت من الأم الطيبة أن تحضرها الى في العيادة في اليوم التالي ، وبالفعل جاءت وقرأت عليها فوجدت الخبيث مازال موجودا فيها . فحملت عليه بالعصا فصرخ مستغيثا واعلن عن الخروج بلا رجعة صادقا هذه المره .. وانقشعت هذه الغمة عن الزوجة الشابة وعن أمها الطيبة ، وكانت هذه هي أول مرة التقي فيها بالأم . ومن فرط سعادتها بشفاء ابنتها عرضت علي أن تساعدني في هذا العمل وتقوم باعداد الماء والزيت للمرضى ولأنني كنت اعاني فعلا من هذا العبء وافقت . وذات يوم دخلت أم الخير علي : يا أبا محمد .. ابنتي الثانية متعبة جدا .. قلت: أين هي ؟ قالت : في السيارة ولا تريد الدخول ، قمت اليها وطلبت منها أن تخرج من السيارة ، فرفضت ، فأيقنت أن الذي يمنعها من الدخول هو الجني . فأخذت اشدها بالقوة فخاف الخبيت مني . وقال : ارجوك يا شيخ لا تضربني فأنا سأخرج .. ونزلت الفتاة من السيارة ودخلت العيادة ، وعندما بدأت اقرأ عليها أخذ الجني يصيح صيحات غريبة لم اسمعها من جني آخر وأخذ يتهدد وتوعد . وقال انه دخل هذه الفتاة منذ فترة طويلة ، وأنه كان هادئا بداخلها الى ان خرج الجني الذي كان بأختها الكبيرة المتزوجة ، فأيقن أن الدور عليه وخاصة أن والدتها بدأت تفكر في احضارها هي الأخرى للقراءة ، ولذلك قام باتعابها هذه الليلة .. ثم شدد على أنه لن يخرج منها . وعند ذلك ادركت حجم المأساة التي ستواجهها الفتاة ومن ثم الأم وقد خطر في ذهني ان كل اولادها وبناتها فيهم شئ من هذا القبيل . واستمر علاج الفتاة عندي فترة طويلة حتى خرج الجني ، ولكنه عاودها مرة اخرى ، فعاودت العلاج الى أن خرج ثانية ، ثم عاودها مرة ثالثة وهكذا استمر علاجها سبعة اشهر الى أن توقف الخبيث عن معاودتها لأسباب لا أعرفها حتى الآن. وبعد مضى فترة جاءت الأم بابنتها الثالثة للقراءة عليها ، حيث تشكو من اختناق شديد ولا ترغب في الذهاب الى المدرسة واشياء أخرى تشعر بها .. وبدأت الفتاة تحضر الجلسة مع بقية الاخوات اللاتي يراجعن عندي ، وذات مرة وأنا أقوم بالقراءة عليهن خطر ببالي أن أرفع الآذان في أذن الفتاة . وما أن أذنت حتى اطلقت الفتاة صيحة مدوية . عندها تأكدت أن بها مسا من الجان . وكانت الأم الطيبة تشعر فعلا أن ابنتها تتضايق جدا كلما أذن المؤذن للصلاة في المسجد المجاور لمسكنها .. وتذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه إذا أذن المؤذن ولى الشيطان هاربا وله ضراط ، فإذا انتهى عاد الشيطان ، فإذا ثوب للصلاة ولى هاربا وله ضراط فإذا كبر الإمام عاد أو كما قال عليه السلام . استمرت الفتاة تراجع عندي غير أن الجني لم ينطق حتى انقضت فترة طويلة واراد الله تعالى فنطق الجني واصبحت التفاة تتأثر وتبكي عند سماع القرآن أكثر من ذي قبل الى أن فأجأني الجني بالخروج منها . وأتم الله فضله على الفتاة عندما تزوجت شاب صالح تعيش معه الآن حياة هانئة . ولم تمض ايام حتى جاءت الأم الطيبة بإبنة رابعة متزوجة وتعيش في مكان آخر ، وقد بدت عليها آثار المس والتلبس ، وعند القراءة عليها اكتشفت ان بها جنيه بذيئه تدعى أن عمرها 400 عام وتتفوه بالفاظ قبيحة ومزعجة ، وكنت اضربها ضربا شديدا حتى اوقعت في روعها أن الأمر ليس سهلا وأنه لا مفر اماها سوى الخروج من هذه المرأة . والحمدلله خرجت منها الجنية وانقطع خبرها منذ ذلك التاريخ . وفي صباح أحد الأيام كنت في عملي فهاتفني موظف الاستقبال واخبرني أن أحد الاخوة يريد مقابلتي فنزلت للقائه فوجدته أحد ابناء ' أم الخير ' شابا ملتزما زادنا الله واياه التقوى والصلاح . ماذا وراءك ؟ أخي الاصغر الذي جاءك أول مرة بدت عليه حالات مثل حالات الأخوات اللاتي قمت بعلاجهن .. ذهبت معه على الفور وقرأت على أخيه وأنا أظن أنه يمثل وأن ليس به شئ . ولكن الذي حدث أن ظني خاب وكان الشاب فعلا به مس من الجان واستمر علاجه لمدة عام .. تأكدت خلاله أن هناك ايد خبيثة تحيك لهذه الاسرة الطيبة الكريمة شرا ، فاحلت الامر الى الله تعالى وواصلت جلساتي مع الشاب الى أن برئ بفضل الله ثم بفضل صبر أم الخير وقوة ايمانها وتحملها وعلمها أن كل ما أصاب ابن أدم فهو من الله ، وكل مالم يصيبه فهو من الله . وبعد لعل هذه القصة فيها من الغرابة ما فيها ولكنها حقيقة ماثلة للعيان وابطالها احياء يرزقون بعد أن من الله عليهم بالشفاء وكتب لهم النجاة