نتذكّر نار جهنم في رمضان فنفرّ ونهرب منها ونخشى الله جل جلاله
3 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
احمد البرنس
الامبرطور
وسام المشاركات :
الامبراطور
الهوايه :
المهنه :
البلد :
المزاج :
الجنس : نقاط : 38330
بطاقة الشخصية :
:
:
موضوع: نتذكّر نار جهنم في رمضان فنفرّ ونهرب منها ونخشى الله جل جلاله السبت أغسطس 20, 2011 7:26 pm
خزي ونكال ... سلاسل وأغلال ... عظائم وأهوال
تلك هي نار جهنم
دار خُصَّ أهلها بالبعاد، وحرموا لذة المنى والإسعاد، بُدلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد!!
لو رأيتهم في الحميم يسرحون، وبين الزمهرير يُطرحون، حزنُهم باقٍ فلا يفرحون، ومقامهم دائم فهم أبد الآباد لا يبرحون.
نار جهنم تلك الدار المهولة التي يُخَوِّف الرب - جل جلاله - عباده من لفحها وشررها، ويحذرهم حرَّها وسمومها فيقول: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} سورة الليل (14)، وخوَّف الله بها ملائكته المقربين فقال: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} سورة الأنبياء (29)، وقال لرسوله الكريم: {لاَ تَجْعَلََْ مَعَ اللهِ إِلَهً آَخَرَ فَتُلْقَى فِيْ جَهَنَمَ ملوماً مدحوراً} سورة الإسراء (22).
يصف حالاً من نكال أهلها فيقول: {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} ثم يقول: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} سورة الزمر (16).
ثم ها هو أنقى الخلق وأتقاهم لربه يرفع عقيرته في التحذير من هولها، والكفاف من تنكب طريقها فيقول كما جاء عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أنذرتكم النار، أنذرتكم النار))، حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا، حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه"1.
وقد أدرك السلف الصالح معنى هذا التحذير، فجاء عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - أنه صلّى المغرب فقرأ فيها: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، فلمّا أتى على هذه الآية {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} سورة الليل (14)، وقع عليه البكاء، فلم يقدر أن يتعدّاها من البكاء.
يقول الحسن البصري رحمه الله : "والله ما صّدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صّدق بها حتى يتجهم في دركها، والله ما أُنذر العباد بشيء أدهى منها {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى* لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}. [التخويف من النار لابن رجب]
وقال أبو الجوزاء: "لو وليت من أمر الناس شيئاً لاتخذت مناراً على الطريق، وأقمت عليها رجالاً ينادون في الناس: النار، النار" [أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد].
نعم يا عبد الله إنها جهنم - عياذاً بالله -.
مصيرٌ أرَّقَ منام الصالحين، ومنقلبٌ أفزع قلوب المتقين، ونهايةٌ أظمأ توقيها نهار العابدين، وأطال في الليل قيام المتألهين، ونهاية رسمت الحزن في وجوه المخبتين.
وإن الحديث عن النار حديث صدقٍ وحق، حديث خوف ووجل.
فإن فيها من العذاب جبالٌ وأوديةٌ .. وفيها أنهارٌ وشعاب.. وفيها دركاتٌ ومنازل!!.
تدبَّر وصف النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - لهذه النار وهي تأتي يوم القيامة يقول: ((يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)) رواه مسلم.
مشهد ينخلع له القلب، ويجفل عنده الفؤاد، ولك أن تتصور.
نار جهنم سوداء مظلمة.. قاتمةٌ معتمة.. لها صوتٌ يسمع من بعيد.. تشهق وتزفر بغيظ شديد {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} سورة الملك (7-.
إذا رأت الخلائق زفرت وزمجرت غضباً لغضب القهار الجبار - جل وعلا - {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} سورة الفرقان (12)، ويعظم غيظها فإذا بها {تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ لِلْمُكَذِبِين} سورة المرسلات (32-33).
وقودها الناس والحجارة، لا تنطفئ نارها، ولا يخبو أوارها {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} سورة الإسراء (97).
تظل تنادي وتقول: هل من مزيد؟
سلم يا رب سلم!!
هل من مزيد من الكفرة؟ هل من مزيد من المنافقين؟ هل من مزيد من المشركين والمجرمين؟ حتى يأذن الله أن تمتلئ وذلك حين يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، قد امتلأت بعزتك وكرمك!)) متفق عليه، {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد} سورة ق (24-30).
أبوابها {سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} سورة الحجر (44).
ولها أسماء عديدة ذُكرت في محكم التنزيل فهي جهنم، وهي لظى، وهي الحُطَمة، وهي السعير، وهي سقر، وهي الجحيم، وهي الهاوية {هذِهِ جَهَنَّمُ الّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ}
أما أهلها فلا تسل عن حالهم فيها، يساقون إليها سود الوجوه، زرق العيون، تقطعت قلوبهم والله من شدة الخوف، واحترقت أكبادهم من مرارة الجوع، فإذا هم بالزبانية قد وقفوا على أبواب جهنم يبشرونهم: "لا مرحبا بكم إنكم صالوا النار" فلا يملكون إلا الصياح والعويل، والبكاء الطويل، وما إن يدخلونها حتى توصد عليهم الأبواب: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} سورة الهمزة (6-9).
فإذا دخلوها امتلأت قلوبهم قنوطًا ويأساً، ولا تزيدهم الأيام فيها إلا شدةً وبؤساً {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} سورة الفرقان (66).
فيكون توبيخهم فيها أعظم من العذاب، وتأسفهم فيها أقوى من المصاب، يبكون على تضييع أوقات الشباب، وكلما جاد البكاء زاد.
حينها تتضخم أجساد أهلها حتى يكون ضرس أحدهم كجبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، وسمك جلده مسيرة ثلاثة أيام، فيكون جثمان الواحد من أهل النار كأعظم جبل من جبال الدنيا، وعند الإمام مسلم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام))، وعند البخاري قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع))، وعند الترمذي قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ مجلس الكافر من جهنم كما بين مكة والمدينة)).
فإذا سألت ماذا أعدَّ الله لهم فيها من عذاب فأعلم أنها سلاسل بها يقادون، وأغلال بها يقيدون، وسعير بها يحرقون {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً} سورة الإنسان (4)، {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} سورة غافر (71- 72).
وإذا أردت أن تعرف كسوتهم فهي ثياب من النار {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} سورة الحج (19-21) فسبحان من خلق من النار ثياباً!!.
وإن سألت عن سرابيلهم فهي القطران وهو النحاس المذاب {سرابيلهم من قطران وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} سورة إبراهيم (49-50).
وأما طعامهم فـ {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} سورة الغاشية (6)، والضريع: شوكٌ يخرج بأرض الحجاز لائط بالأرض، ثم الزقوم وما أدراك ما الزقوم {إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} سورة الصافات (64-65)، وهي {طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} سورة الدخان (43-46)، ومع هذا {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} سورة الصافات (66).
وأما شرابهم فالغسلين والغسَّاق وهو عصارة أهل النار {يُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} سورة إبراهيم (16-17)، يُقرب إليه فيكرهه، فإذا دنى منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره {وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} سورة محمد (15).
فإذا صاحوا واستغاثوا {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} سورة الكهف (29).
فيا لشدة ما يكابده أهل النار من عظيم الأهوال، وأصناف الهوان.
وإن سألت عن فراش أهل النار وغطاؤهم فـ {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} سورة الأعراف (41)، يفترشون النار, ويلتحفون النار, والعياذ بالله {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} سورة الزمر (16).
ولمزيد من النكال والبوار يقول - سبحانه -: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} سورة النساء (56)، قال الحسن: تأكلهم النار كل يوم ٍسبعين ألف مرةٍ, كلما أكلتهم قيل لهم: عودوا, فيعودون كما كانوا. [زاد المسير لابن الجوزي]
فإذا قاسوا مرارة العذاب، واحترقت منهم الأكباد؛ نادوا ربهم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ}، ثم يرفعون أمنيتهم وهم في النار {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}؛ فيأتيهم الجواب صارماً قوياً من ربَّ العالمين بعد ألف من السنين {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}.
فلا تعودوا إلى سؤالكم فإنه لا جواب لكم عندي، ولا أمل في الخروج.
فيكون هذا آخر عهدهم بربهم، فلا تسمع لهم بعدها إلا الزفير والشهيق في السعير.
فإذا ما أيسوا من الخروج طلبوا مطلباً آخر؛ يطلبون الموت .. ويتمنون الفناء؛ فينادون خازن النار: يا مالك لقد نضجت منا الجلود، يا مالك لقد تقطعت منا الكبود، يا مالك الموت خير من هذا الوجود {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، فيأتيهم الجواب بعد عشرات من السنين {قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} يقول الأعمش: أنبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام. [الكشف والبيان للنيسابوري]
فإذا بلغ أسماعهم هذا الجواب عندها تعظم حسرتهم، ويشتد نحيبهم؛ يوم قطع رجاءهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.
فيا ويل من هذه الدار داره، ويا شقاء من كانت أمّه ونهايته ومآله.
ويا حسرتهم لغضب الخالق، يا محنتهم لعظم البوائق، يا فضيحتهم بين الخلائق، أين كسبهم للحطام؟ أين سعيهم في الآثام؟ أين تتبعهم لزلات الأنام؟ كأنه أضغاث أحلام، ثم أحرقت تلك الأجساد، وكلما أحرقت تعاد، عليها ملائكة غلاظ شداد.
عبد الله
تصور نفسك وقد طال فيها مكثك، فبلغت غاية الكرب، واشتد بك العطش فذكرت الشراب في الدنيا، ففزعت إلى الحميم، وتناولت الإناء من يد الخازن الموكل بعذابك، فلما أخذته نشت كفك من تحته، وتفسخت لحرارته، ثم قربته إلى فيك فشوى وجهك، ثم تجرعته فسلخ حلقك، ثم وصل إلى جوفك فقطَّع أمعاءك، فناديت بالويل والثبور، وذكرت شراب الدنيا وبرده ولذته وتحسرت عليه، ثم آلمك الحريق، فبادرت إلى حياض الحميم؛ لتبرد فيها كما تعودت في الدنيا الاغتسال والانغماس في الماء إذا اشتد عليك الحر، فإذا انغمست في الحميم تسلخ لحمك من رأسك إلى قدميك، فبادرت إلى النار رجاء أن تكون هي أهون عليك، ثم اشتد عليك حريق النار فرجعت إلى الحميم، فأنت هكذا تطوف بينها وبين حميم آن مصداقاً لقول مولاك - جل وعلا -: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} سورة الرحمن (44)، فتطلب الراحة بين الحميم وبين النار، فلا راحة ولا سكون أبداً.
فلما اشتد بك الكرب والعطش، وبلغ منك المجهود؛ ذكرت الجنان، فهاجت غصة من فؤادك إلى حلقك أسفاً على جوار الله - عز وجل -، وحزناً على نعيم الجنة الذي أضعته بنفسك بسبب الذنوب والمعاصي، ففزعت إلى الله بالنداء بأن يردك إلى الدنيا؛ لتعمل صالحاً، فمكث عنك دهراً طويلاً لا يجيبك هواناً بك، ثم ناداك بعد ذلك بالخيبة منه أن {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} سورة المؤمنون (108)، ثم أراد أن يزيدك إياساً وحسرة؛ فأطبق أبواب النار عليك وعلى أعدائه فيها، فيا إياسك ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم، فعلموا عند ذلك أن الله - عز وجل - إنما أطبقها لئلا يخرج منها أحد أبداً، فتقطعت قلوبهم إياساً، وانقطع الرجاء منهم أن لا فرج أبداً، ولا مخرج منها، ولا محيص من عذاب الله - عز وجل -.
خلودٌ فلا موت، وعذابٌ فلا فوت، لا يُرحم بكاؤهم، ولا يُجاب دعاؤهم، ولا تقبل توبتهم فهم في عذاب دائم، وهوان جاثم {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} سورة التوبة (67).
فيا من تفضل الرب عليه فأمد في أجله، وأفسح في عمره حتى أدرك رمضان؛ ثم ها أنت ذا تدرك العشر الأواخر منه، وتوشك أن تودعه؛ وهو شاهد عليك بما استودعته فيه؛ هذا أوان الانطراح على العتبات، هذا موسم التعرض للنفحات، هذا محل النجاة من سقر وما فيها من اللفحات.
ألم يخبر نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن أبواب النيران في رمضان توصد، وأن لله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، إذاً فما بال التواني والكسل، وأنت تعلم أن جسدك لا يقوى على نار الدنيا فكيف بنار الآخرة التي صحَّ فيها عن نبيك - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم))، قالوا: يا رسول الله والله إن كانت لكافية! فقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ولكنها فضلت (أي زادت) على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها)). رواه البخاري ومسلم.
إن رمضان فرصتك لتعتق رقبتك من لظى، وتنقذ نفسك من النار {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} سورة الليل (14).
ولا ننسى قبل أن نطوي هذه الصفحات معك أن ندلك على أعمال صالحة علَّها أن تكون هي سبب نجاتك من النار:
- قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)) رواه مسلم.
- وقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار)) متفق عليه.
- وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((من اغبرَّت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار)) رواه البخاري.
- وقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا؛ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ)) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
- وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَأَيْتُكَ تُصَلِّي وَتَدَعُ، قَالَ:لَسْتُ كَأَحَدِهِمْ)) رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.
- وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخِرَيْ مُسْلِمٍ أَبَداً)) رواه النسائي، وصححه الألباني.
- وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) رواه الشيخان.
- وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) رواه الترمذي، وإسناده حسن.
- وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((حُرِّم عَلَى النار كُلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ من الناس)) رواه أحمد، وحسنه الأرناؤوط بشواهده.
- وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ؛ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النًّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني، الجدة: الغنى.
- وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ خُبْزاً حَتَّى يُشْبِعَهُ، وَسَقَاهُ حَتَّى يَرْوِيَهُ؛ بَعَّدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ)) رواه الحاكم، وصححه الألباني في التعليق.
فيا أيها المبارك:
هذا فيض من غيض من تلك الأعمال التي تحول بينك وبين جهنم - أجارنا الله وإياك منها -، فاستحضر نية حسنة، ثم الزم غرزها اليوم قبل أن يطول في النار بكاؤك وحسرتك، وتدوم آهتك وشقوتك.
اللهم أعتق رقابنا ورقاب والدينا وأهلينا والمسلمين من النار، يا عزيز يا غفار.
اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار.
اللهم إن أجسادنا لا تقوى على نارك؛ فحرِّمها على النار.
يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث؛ أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.